کد مطلب:58456 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:255

ما ظهر منه بعد النبوة من المعجزات











وأمّا ما ظهر منه صلوات الله علیه وآله عقیب البعث وإظهار النبوّة من الآیات والمعجزات فضربان:

أحدهما: هذا القرآن الذی أنزله الله سبحانه علیه وأیّده به.

والآخر: غیره من المعجزات.

فوجه الاستدلال من القرآن: أنّ كلّ عاقل سمع الاَخبار وخالط أهلها قد علم ظهور نبیّنا علیه وآله السلام وادّعاءه الرسالة من الله إلینا، وأنّه تحدّی العرب بهذا القرآن الذی ظهر علی یده وادعی انه اختصه الله به، وان العرب مع تطاول الاَزمان لم یعارضوه، إذا ثبت ما ذكرناه، وعلمنا أنهم إنما لم یعارضوه لتعذّر المعارضة علیهم فهذا التعذّر معجز خارق للعادة.

فأمّا الذی یدلّ علی أنّه علیه السلام تحدّی بالقرآن فهو أنّ المراد بالتحدّی أنّه كان یدّعی أنّ جبرئیل یهبط علیه بذلك، وأنّ الله سبحانه قد أبانه به، وهذا معلوم ضرورة وهو غایة التحدّی فی المعنی.

وأیضاً: فأنّ آیات القرآن صریحة فی التحدّی وهی قوله تعالی: (فأتوا بِعَشرِ سُورٍ مِثِلِه)[1] وفی موضع آخر:(فأتوا بِسورَةٍ مِن مِثِله)[2] .

وأمّا الذی یدلّ علی انتفاء المعارضة منهم فهو أنّه لو وقعت المعارضة لوجب ظهورها ونقلها، فإذا لم تنقل وجب القطع علی انتفائها، وإنّما قلنا ذلك لاَنّ جمیع ما یقتضی نقل القرآن من قوّة الدواعی وشدّة الحاجة وقرب العهد ثابتٌ فی المعارضة، بل المعارضة تزید علیه، لاَنّها كانت تكون

[صفحه 71]

الحجّة والقرآن شبهة، ونقل الحجّة أولی من نقل الشبهة، وكیف لا تنقل المعارضة لو كانت وقد نقلوا كلام مسیلمة مع ركاكته وبعده عن الشبهة.

فإنّ ادّعی ان المانع من النقل هو الخوف من أهل الاِسلام وقد بلغوا من الكثرة إلی حدّ یخاف من مثلهم.

فجوابه: أنّ الخوف لا یقتضی انقطاع النقل علی كلّ وجه، وإنّما یمنع من التظاهر به.

ألا تری أنّ فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام قد نقلت ولم ینقطع النقل بها مع الخوف الشدید من بنی اُمیّة والرهبة من التظاهر بها، وكان یجب أن ینقل ذلك أعدادالاِسلام أو یكون نقلاً مكتوماً فیما بینهم.

وأیضاً فإنّ الكثرة فی الاِسلام كانت بعد الهجرة، فكان یجب نقل المعارضة قبل ذلك فی مدّة مقامه بمكّة، وإذا نقلت وانتشرت لم تكن قوّة الاِسلام موجبة بعد ذلك لخفائها إلاّ أن یدعی أنّ المعارضة لم تقع فی تلك المدّة وإنّما وقعت بعد الهجرة، وفی ذلك كفایة فی إعجاز القرآن وثبوت خرق العادة به.

علی أنّ الاِسلام وإن قوی حینئذٍ بالمدینة، فقد كانت لاَهل الكفر ممالك كثیرة وبلاد واسعة، ومملكة الفرس كانت ثابتة لم یزل، وممالك الروم وغیرها من البلاد إلی هذه الغایة عریضة، فكان یجب ظهور المعارضة فی هذه البلاد.

وأمّا الذی یدّل علی أنّ انتفاء المعارضة كان للتعذّر إنّا قد علمنا أنّ كلّ فعل یرتفع من فاعله مع توفّر دواعیه إلیه وقوّة بواعثه علیه فإنّه یدلّ علی تعذّره، فإذا ثبت ذلك وعلمنا أنّ العرب تُحدّوا بالقرآن ولم یعارضوه مع شدّة حاجتهم إلی المعارضة وقوّة دواعیهم، علمنا أنّها متعذّرة علیهم، فإذا انضاف إلی ذلك أنّهم قد تكلّفوا الاُمور الشاقّة من الحرب وغیره ممّا لو بلغوا غایة

[صفحه 72]

مرادهم فیه لم یكن لهم بذلك حجّة، اتّضح الاَمر فی أنّهم قد تعذّرت المعارضة علیهم، هذا وقد دعاهم النبی صلّی الله علیه وآله وسلّم إلی المعارضة وهم ذوو الأنفة والحمیّة، وطالبهم بالرجوع عن دیاناتهم، والنزول عن رئاستهم، والبراءة من آبائهم وأسلافهم وأبنائهم، ومجاهدة من خالف دینه وإن كان من أنسابهم وأقربائهم، وعلموا أنّ بالمعارضة یزول ذلك كلّه ویبطل، فأیّ داع أقوی من هذا؟ وكیف لا یكونون مدعوّین إلیها وقد تحمّلوا ضروباً من الكلف والمشاقّ كالمحاربة وبذل الاَموال ونظم الهجاء، مع أنّ كلّ ذلك لا یغنی، فلو تیسّرت لهم المعارضة لبادروا إلیها، إذ كانت أسهل ممّا تكلّفوه وتحمّلوه وأحسم للمادّة من كلّ ما فعلوه.

وأمّا الذی یدلّ علی أنّ تعذّر المعارضة كان علی وجه الاِعجاز هو أنّ ما یمكن أن یدّعی فی ذلك أن یقال أنّه علیه السلام كان أفصحهم فتأتّی له ما لم یتأت لهم، أو یقال: إنّه تعمّل زماناً لم یكن طویلاً فلم یتمكّنوا مع قصر الزمان من معارضته، فإذا بطل هذان الوجهان لم یبق إلا أنّ هذا التعذّر غیر معهود، فهو خارق للعادة.

والذی یدلّ علی فساد الوجه الاَول: أنّ المطلوب فی المعارضة ما یقارب الفصاحة، والاَفصح یقاربه فی كلامه وفصاحته من هو دون طبقته، فإذا لم یماثلوه ولم یقاربوه فقد انتقضت العادة، وأیضاً فإنّ الاَفصح إنّما تمتنع مساواته ومجاراته فی جمیع كلامه أو أكثره ولیس تمتنع مجاراته ومساواته فی البعض منه علی من هو دون طبقته، بهذا جرت العادة، ولهذا فقد ساوت الطبقة المتأخّرة من الشعراء الطبقة المتقدمة منهم فی البیت والاَبیات، وربما زادوا علیهم فی القلیل، وإذاكان التحدّی وقع بصورة قصیرة من عرض القرآن فكونه أفصح لا یمنع من مساواته فی هذا القدر الیسیر، وأیضاً فلیس یظهر من كلامه علیه السلام فصارحة تزید علی فصاحة غیره من القوم، ولو

[صفحه 73]

كان أفصحهم وكان القرآن من كلامه لظهرت المزیّة فی كلامه علی كلّ كلام فی الفصاحة كما ظهرت مزیّة القرآن.

وأمّا الذی یدلّ علی فساد الوجه الثانی ـ وهو إنّه تعمّل زماناً طویلاً ـ: فهو أنّه كان ینبغی أن یتعمّلوا مثله فیعارضوه به مع امتداد الزّمان، فإذا ثبت أنّ التعذّر خارق للعادة فلابدّ من أحد أمرین: إمّا أن یكون القرآن نفسه خرف العادة بفصاحته فلذلك لم یعارضوه، وإمّا أن یكون الله تعالی صرفهمعن معارضته ولولا الصرف لعارضوه، وأیّ الاَمرین كان ثبتت معه صحّة النبوّة، لاَنّ الله تعالی لا یصدق كاذباً، ولا یخرق العادة لمبطل، ولو ذهبنا نَصِفُ ما سطَّره المتكلّمون فی هذا الباب من الكلام وما فیه من السؤال والجواب لطال به الكتاب، وفیما ذكرنا ههنا مقنع وكفایة لذوی الاَلباب.

[صفحه 74]



صفحه 71، 72، 73، 74.





    1. هود 11: 13.
    2. البقرة 2: 23.